خيانة قريش لصلح الحديبية
تحالفت قريش مع قبيلة بني بكر، وقتلوا عددًا من رجال قبيلة خزاعة، وبذلك خانت قريش العهد الذي بينها وبين رسول الله ، ومن ثَمَّ أخذ الرسول القرار بفتح مكة، والاستعداد لعملية كبرى من العمليات العسكرية، أو أكبر عملية عسكرية في تاريخ المسلمين حتى هذه اللحظة.
وفي الواقع أن قريشًا بعد أن قامت بهذه الجريمة، وساعدت بني بكر على قتل رجال خزاعة داخل الحرم، جلست قريش مع نفسها تتشاور في هذه القضية الخطيرة لنقضهم الصلح مع المسلمين.
قريش تدرك الخطأ
عُقد مجلس استشاري كبير، جلس فيه أبو سفيان مع قادة مكة؛ مع عكرمة بن أبي جهل، ومع صفوان بن أمية، ومع سهيل بن عمرو، ومع غيرهم من رجال مكة وزعمائها، وبدءوا يفكرون فيما سيفعلونه نتيجة نقض المعاهدة، لوجود انطباع عند قريش وخاصةً عند أبي سفيان أن المسلمين وصلوا إلى مرحلة كبيرة من القوة، وكان من الواضح في صلح الحديبية نفسه أن الغلبة للمسلمين، والقوة والبأس لصالح المسلمين، والتفريط والتنازل في صالح قريش، التي ما كنت تسلِّم بذلك الأمر لولا أنها رأت قوة المسلمين في بيعة الرضوان أو في صلح الحديبية.
ثم إن أبا سفيان قد سافر إلى غزة للتجارة، وهناك التقى مع هرقل في اللقاء العجيب، وخرج أبو سفيان من هذه المحاورة بانطباع هائل عن رسول الله ، لدرجة أنه خرج يضرب يدًا بيد ويقول: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة[1]، إنه يخافه ملكُ بني الأصفر (هرقل)[2].
ثم إن أبا سفيان ومن معه من قريش شاهدوا الانتصارات الإسلامية هنا وهناك في خيبر، وكانت انتصارات كبيرة وضخمة، ولا يتخيلها أهل قريش. ثم أسلمت الدول والقبائل المحيطة بمكة المكرمة؛ فقد أسلمت اليمن، وأسلمت البحرين، وأسلمت عُمان، وغير ذلك من القبائل، وكل هذا ترك انطباعًا بالرهبة والهلع عند قريش من مقابلة المسلمين.
أضف إلى ذلك أن قريشًا أصبحت تبحث عن الفوائد المحققة من مساعدتها لبني بكر وخيانتهم لصلح الحديبية، وقتل مجموعة من رجال خزاعة، فلم تجد قريش أي نوع من الفائدة تحققت، فكانت هذه المساعدة تهورًا ملحوظًا، وكان هناك آثار ضخمة سوف تتلو هذا الحدث دون فائدة لقريش تذكر، إضافةً إلى خلفية عمرة القضاء؛ فإنه منذ أقل من سنة واحدة قَبِل أهل مكة بمنتهى الضعف أن يدخل إليهم الرجل الذي طردوه وعذبوه وأساءوا إلى سمعته وحاربوه بكل طاقاتهم، وقَبِلوا أن يدخل مكة ومعه ألفان من أتباعه لأداء العمرة، بينما هم يخلون له مكة تمامًا، فهذا -لا شك- قد ترك انطباعًا نفسيًّا قاسيًا عند أهل قريش.
ولا ننسى أيضًا مظاهر القوة التي حرص أن يظهرها في هذه العمرة، ولا ننسى انبهار قريش بقوة المسلمين، وتعليقات قريش عندما رأوا جيش المسلمين وقوة المسلمين في عمرة القضاء؛ فهذه الأشياء كانت تمهيدًا نفسيًّا إيجابيًّا للمسلمين، وكانت تمهيدًا نفسيًّا سلبيًّا للمشركين، وهذا كله من تدبير الله . وقد أدركت قريش في اجتماعهم أن احتمال الحرب وارد، واحتمال غزو مكة أمر محتمل، وبناءً على هذا الاجتماع أخذت قريش قرارًا صعبًا، بل من أصعب القرارات في تاريخ قريش، وهو الذهاب إلى المدينة المنورة لاستسماح الرسول أن يتغاضى عن هذا الخطأ، وأن يطيل الهدنة.
أبو سفيان يطلب العفو من النبي
اختارت قريش أبا سفيان وهو سيد مكة وزعيمها، وهو ليس مجرد سفير ترسله مكة، ولكنه زعيم مكة بكاملها، وزعيم بني أمية، وله تاريخ طويل وحروب متتالية مع المسلمين. وهنا يتنازل أبو سفيان عن كبريائه، وعن كرامته، ويذهب إلى المدينة المنورة، ويطلب من الرسول أن يطيل الهدنة مع قريش، وهذا شيء كبير! ولعلها المرة الأولى في تاريخ قريش التي تقدِّم فيها تنازلاً بهذه الصورة، ولكن أبا سفيان ذهب بالفعل إلى المدينة المنورة، وحاول قدر المستطاع أن يمنع الرسول من الانتقام لخزاعة، والثأر لكرامة الأمة الإسلامية، وأن يطيل المدة بأيِّ ثمن.
وهنا نأخذ قاعدة مهمة في حياتنا الآن وإلى يوم القيامة، وهي أنه إذا كان عدوك حريصًا على السلام، وحريصًا على تجنُّب الصدام بكل ما أوتي من قوة، ويدفعك إليه دفعًا، فاعلم أنه ضعيف، أو على الأقل يخشى قوتك، فلا تضعف ولا تجبن. وهنا يحاول أبو سفيان قدر المستطاع أن يتجنب الصدام مع المسلمين.
مثل رائع في حب النبي
وصل أبو سفيان إلى المدينة المنورة وذهب إلى ابنته أم المؤمنين أم حبيبة رضوان الله عليها، وهي بنت أبي سفيان، وزوجة الرسول ، والتقى أبو سفيان بأم حبيبة رضي الله عنها، وكان هذا اللقاء بعد غياب ستة عشر عامًا متصلة؛ لأن أم حبيبة -رضي الله عنها- ظلت فترة طويلة من الزمن في الحبشة مهاجرة هناك مع زوجها عبيد الله بن جحش الذي تنصَّر هناك، ومات كافرًا، فتزوجها الرسول ، ثم أتت إلى المدينة المنورة، ولم تدخل مكة طوال هذه المدة الطويلة، وكانت العَلاقة بينها وبين أبيها منقطعة، فكان أبو سفيان يظن أن أم حبيبة سوف تستقبله استقبالاً حافلاً. وما إن اقترب أبو سفيان من الفراش ليتحادث مع ابنته، فإذا بها تطوي الفراش، وتمنعه من الجلوس عليه، فتعجب أبو سفيان وقال لها: يا بُنَيَّةُ، ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟!
أي: لم تجلسيني على هذا الفراش لأنه مكرَّم عندك أكثر مني، أم لأنك تريني رجلاً عظيمًا لا أقعد على هذا الفراش المتواضع فراش الرسول . فقالت السيدة أم حبيبة في صلابة وفي قوة:
"هو فراش رسول الله ، وأنت مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراشه".
فقال أبو سفيان: يا بنية، والله لقد أصابك بعدي شرٌّ[3]. ثم خرج من عندها.
ونحن نحتاج أن نقف هنا وقفة مع موقف السيدة أم حبيبة رضي الله عنها، والمحلل لهذا الموقف قد يقول: إن هذا الموقف فيه نوعٌ من الغلظة غير المقبولة من السيدة أم حبيبة مع أبيها أبي سفيان. وهذه المعاملة قد تكون غلظة إلا في هذا الظرف؛ لأن أبا سفيان هو زعيم مكة المكرمة، والجميع في المدينة يعلم أن هناك نقضًا للمعاهدة التي تمت بين المسلمين وقريش، وأنه قد جاء إلى المدينة المنورة لكي يطيل المدة، وخاصةً أن الرسول أنبأهم بقدوم أبي سفيان قبل أن يأتي في معجزة نبوية ظاهرة، قال : "كَأَنَّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ يَشُدُّ فِي الْعَقْدِ، وَيَزِيدُ فِي الْمُدَّةِ"[4].
فالناس يعرفون الغرض الذي أتى بأبي سفيان إلى المدينة المنورة؛ لذلك أرادت أم حبيبة -رضي الله عنها- أن تقف هذه الوقفة الصلبة الجريئة القوية مع أبيها؛ ليعلم أبو سفيان أن المسلمين جميعًا صفٌّ واحدٌ، وأنهم جميعًا على قلب رجل واحد، حتى ابنته أم حبيبة رضي الله عنها وقفت مع الرسول ضد أبيها أبي سفيان. وقد ترك هذا الأمر انطباعًا سلبيًّا كبيرًا عند أبي سفيان، وعرف أنه يقف أمام مجموعة من الصعب أن يحاربهم، وهذا ليس هو السلوك الإسلامي العام مع الرَّحِم المشرك، أو الرحم غير المسلم؛ لأن الله أمر بمصاحبة الآباء والأمهات المشركين بالمعروف، قال الله : {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].
ويؤكد هذا المعنى ما روته السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، عندما قالت - والحديث في البخاري -: قَدِمتْ عليَّ أمي، وهي مشركة في فترة صلح الحديبية، فاستفتت السيدة أسماء رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: "نَعَمْ صِلِيهَا"[5].
فهذا هو الأصل في المعاملة، ولكن موقف أبي سفيان حالة خاصة، وموقف مختلف، وكان موقف السيدة أم حبيبة صحيحًا؛ بدليل سكوت الرسول عن هذا التصرف من السيدة أم حبيبة رضي الله عنها، وخرج أبو سفيان من عند السيدة أم حبيبة بهذه الصدمة الكبيرة.
واتجه أبو سفيان بعد ذلك إلى الرسول ؛ ليحاول أن يطيل المدة، وتحدث مع الرسول عن رغبته في إطالة مدة الصلح، ولكن الرسول رفض تمامًا أن يردَّ عليه، ولم يكن هذا هو التصرف المعتاد من رسول الله ؛ لأننا نعلم أن رسول الله كان دائمًا يحسن استقبال الضيوف، ويكرم الضيوف، وخاصةً أن هذا الرجل زعيم من زعماء قريش، وكان الرسول يستمع منه ويتحاور معه قبل ذلك، ولكن هذا لم يحدث في هذا الموقف؛ ليُشعِر أبا سفيان بمدى الجرم الذي أقبلت عليه قريش؛ ولأن الرسول يريد أن يفتح مكة وأن يستغل هذه الفرصة السانحة، ولا يريد لكلمات أبي سفيان أن تؤثر فيه بأيِّ صورة من الصور. ومع ذلك هو لم ينفعل على أبي سفيان، ولم يقل له فعلتم كذا وكذا، ولم يذكر كلامًا شديدًا لأبي سفيان؛ وذلك لكي لا يلفت نظر أبي سفيان إلى أن المسلمين يفكرون في فتح مكة، وأن الهجوم على مكة أصبح وشيكًا، فآثر أن يسكت، ولم يرد على أبي سفيان بكلمة واحدة. وكانت هذه إهانة كبيرة لكرامة أبي سفيان، وذلك بأن يأتي إلى رسول الله ثم لا يقبل الرسول أن يرد عليه.
أبو سفيان يذهب إلى أبي بكر وعمر وعثمان
خرج أبو سفيان بهذه الهزيمة النفسية الكبيرة إلى أبي بكر الوزير الأول لرسول الله ، وكنا نتوقع من أبي سفيان أن يرجع أدراجه إلى مكة المكرمة. وأبو سفيان لم يغضب غضبًا شديدًا، ولم يحدث ثورة كبيرة، ولم ينقلب بجيشه على المدينة المنورة، وهذا لم يحدث؛ لأنه في موقف الضعيف، ويعلم أنه أمام هذه الصلابة الإسلامية الواضحة؛ ومن ثَمَّ ذهب أبو سفيان إلى أبي بكر، وطلب منه أن يتوسط له عند الرسول ، وأن يجدد المسلمون العهد مع قريش، ولكن الصِّدِّيق قال له في صرامة واضحة: ما أنا بفاعل، فلن أتوسط بينك وبين الرسول .
فخرج أبو سفيان من عند أبي بكر بالصدمة الثالثة، ومع ذلك لم ييئس أبو سفيان واتجه إلى الوزير الثاني في الدولة الإسلامية، إلى عمر بن الخطاب ، وليته ما فعل، فعندما ذهب وطلب منه أن يتوسط له عند الرسول ، ليجدد العهد بين قريش وبين المسلمين، قال عمر بن الخطاب بمنتهى القوة: أنا أشفع لكم عند رسول الله ! فوالله لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به.
أي لو معي جيش من النمل لأقاتلنكم به. ولننظر إلى قوة وصلابة عمر بن الخطاب . وخرج أبو سفيان من عند عمر بن الخطاب، واتجه إلى علي بن أبي طالب ، وعلي متزوج من السيدة فاطمة بنت الرسول ، فدخل عندهما، وكان عندهما الحسن يلعب بينهما، فقال: يا علي، إنك أَمَسُّ القوم بي رَحِمًا، وأقربهم مني قرابة، وقد جئتُ في حاجة، فلا أرجعَنَّ كما جئت خائبًا -ولننظر إلى الذل الذي وصلت إليه قريش- فاشفعْ لي إلى رسول الله .
فقال علي بن أبي طالب: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله على أمرٍ ما نستطيع أن نكلمه فيه. أي أن الرسول وصل إلى درجة من الغضب عندما سمع بخيانة بني بكر وقريش وقتل رجال من خزاعة، ولا نعلم ما سيفعل ، فلا أستطيع أن أكلمه أبدًا. فقال أبو سفيان للسيدة فاطمة رضي الله عنها: يا بنت محمد، هل لك أن تأمري بُنَيّك هذا -ولننظر إلى أيِّ درجة من المهانة والذل حينما يطلب أبو سفيان من السيدة فاطمة أن تأمر ابنها الحسن، وكان وقتها طفلاً صغيرًا يلعب بينها وبين علي بن أبي طالب- فَيُجِيرَ بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟
أي يخرج الغلام الطفل الصغير الحسن بن علي -رضي الله عنهما- ليجير أبا سفيان وقريشًا. فقالت السيدة فاطمة لتعطيه الضربة السادسة: والله ما بلغ بُنَيّ ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحدٌ على النبي .
فقال أبو سفيان: يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد اشتدت عليَّ فانصحني.
فقال له علي: والله لا أعلم شيئًا يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فَأَجِرْ بين الناس، ثم الْحَقْ بأرضك. أي قم وسط الناس واطلب الإجارة، ولعل أحد الناس يتشفع لك عند رسول الله .
فقال أبو سفيان: أوَترى ذلك مُغْنِيًا عني شيئًا؟
قال علي بن أبي طالب في وضوح: لا والله ما أظن، ولكن لا أجد لك غير ذلك[6].
ومع هذا الإحباط الذي أصاب أبا سفيان إلا أنه قام في المسجد، وقال: يا أيها الناس، إني قد أَجَرْتُ بين الناس. فلم يقم أحد من المسلمين، إنها سبع ضربات متتالية لأبي سفيان زعيم قريش.
أبو سفيان يفشل في مهمته
ركب أبو سفيان بعيره راجعًا إلى مكة، فمر على سلمان وصهيب وبلال ، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها.
وبدأ يتكلم سلمان وصهيب وبلال، وكانوا جميعًا من الذين يباعون ويشترون في مكة قبل الهجرة، وكان أبو بكر الصديق يمر بجوارهم، فقال: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟!
أي أن أبا بكر نفسه تأثر بأزمة أبي سفيان، وذهب إلى الرسول يشكو له ما قال سلمان وصهيب وبلال، فما كان رد فعل الرسول ؟ قال: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ".
ولم يقف الرسول مع أبي بكر الصديق في رأفته ورحمته بأبي سفيان، وإنما وقف مع سلمان وصهيب وبلال يقدِّر موقفهم، فقال: "يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ".
فأتاهم أبو بكر، وقال لهم: يا إخوتاه، أغضبتكم؟
قالوا: لا، يغفرُ الله لك يا أُخَيَّ[7].
إن الموقف الآن ليس موقف دعوة، ولكنه موقف تجهيز للحرب، وإن الأموال والديار والحقوق المسلوبة آن لها أن ترجع، وإن كنا قد قَبِلنا في الحديبية أن نقرَّ الهدنة دون عودة كامل الحقوق، فإن ذلك كان لظروف المرحلة السابقة، وتقديرنا لقواتنا وقوة عدونا في ذلك الوقت، أما الآن فالظروف قد تغيرت، ولن نقبل بما قبلنا به قبل ذلك أيام الحديبية؛ لذلك كان رد الفعل القوي من الرسول والصحابة ، ورجع أبو سفيان إلى مكة، وفشلت المهمة التي قام بها فشلاً ذريعًا، وعاد إلى مكة، فقال له زعماء قريش: ما وراءك؟
فقال أبو سفيان: جئت محمدًا فكلمته، فوالله ما ردَّ عليَّ شيئًا، ثم جئت ابن أبي قحافة، فوالله ما وجدتُ فيه خيرًا، ثم جئت عمر فوجدته أدنى العدو[8]، ثم جئت عليًّا فوجدته ألين القوم، وقد أشار عليَّ بأمر صنعته، فوالله ما أدري هل يغني عني شيئًا أم لا؟
فقالوا: فبماذا أمرك؟
فقال: أمرني أن أُجِيرَ بين الناس، ففعلت.
قالوا: فهل أجاز ذلك محمدٌ؟
قال: لا.
قالوا: ويحك! ما زادك الرجل على أن لعب بك.
فقال أبو سفيان: لا والله ما وجدتُ غير ذلك[9].
وهكذا وُضعت قريش في مأزق خطير، وعلمت قريش أن هناك احتمالاً كبيرًا لغزو مكة، وبدأت قريش تترقب قدوم المسلمين، وهي لا تعرف ماذا تصنع؛ فلم يبقَ من أعوانها إلا بني بكر، ولم يعُدْ أمامها إلا الانتظار.